فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}.
قال الزمخشري: أي ما عرفوا من الحق كفروا به بغيا وحسدا وحرصا على الرئاسة.
قال ابن عطية: المراد بقوله: {مَّا عَرَفُواْ} الرّسول صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن عرفة: واستشكلوه لأنّ ما لا تقع إلا على ما لا يعقل أو على أنواع من يعقل.
وأجيب بأنها واقعة على صفة من يعقل لا على ذاته، أي ما عرفوا من نبوته وصفاته وصحّة رسالته كفروا به، وكان بعضهم يأخذ من الآية جواز الاكتفاء في الشهادة والأحكام بالصفة دون تعريف.
وأجيب: بأنه احتفت به قرائن تقوم مقام التّعيين، وهي المعجزات التي جاءهم بها.
ورُدَّ بأن المعجزات خارجة عن هذا وكافية وحدها، وليست مذكورة في الآية إنما المذكور فيها معرفتهم له من حيث الصفة التي في كتابهم فقط من غير ضميمة إلى ذلك.
وفي كتاب اللقطة: وإذا وصل كتاب القاضي إلى قاض آخر، وثبت عنه بشاهدين، فإن كان الفعل موافقا لما في كتاب القاضي من صفته، وخاتم القاضي في عنقه لم يكلف الذي جاء به أن يقيم بينة أنّ هذا الحكم هو الذي حكم به عليه.
قوله تعالى: {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين}.
قال ابن عرفة: وانظر هل هذا إنشاء أو إخبار لقول متقدم؟ ثم قال: لا يبعد أن يكون إنشاء، وتكون اللّعنة مقولة بالتشكيك والتفاوت، لأن هؤلاء كفروا وهم جاهلون، إذا بنينا على أن ذلك استعذار، وهؤلاء كفروا بعد علمهم ومجيء الكتاب لهم فاللّعنة في حقهم أشد. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كتاب} هو القرآن، وتنكيرُه للتفخيم ووصفُه بقوله عز وجل: {مِنْ عِندِ الله} أي كائنٌ من عنده تعالى للتشريف {مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} من التوراة عُبر عنها بذلك لما أن المعيةَ من موجبات الوقوفِ على ما في تضاعيفها المؤدّي إلى العلم بكونه مصدقًا لهما، وقرئ {مصدّقًا} على أنه حال من كتاب لتخصصه بالوصف {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ} أي من قبل مجيئِه {يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} أي وقد كانوا قبل مجيئه يستفتحون به على المشركين ويقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمانِ الذي نجد نعته في التوراة ويقولون لهم: قد أظل زمانُ نبيَ يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلُكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمَ. قال ابن عباس وقتادة والسدي: نزلت في بني قُرَيظةَ والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثِه وقيل: معنى يستفتحون يفتحون عليهم ويُعرِّفونهم بأن نبيًا يُبعث منهم قد قرُب أوانُه والسين للمبالغة كما في استعجب أي يسألون من أنفسهم الفتحَ عليهم أو يسأل بعضُهم بعضًا أن يَفتحَ عليهم. وعلى التقديرين فالجملة حاليةٌ مفيدةٌ لكمال مكابرتِهم وعنادِهم، وقولُه عز وعلا: {فَلَمَّا جَاءهُمُ} تكريرٌ للأول لطول العهد بتوسط الجملةِ الحاليةِ، وقولُه تعالى: {مَّا عَرَفُواْ} عبارةٌ عما سلف من الكتاب لأن معرفةَ من أنزل عليه هو معرفةٌ له، والاستفتاحُ به استفتاح به، وإيرادُ الموصولِ دون الاكتفاء بالإضمار لبيان كمالِ مكابرتِهم، فإن معرفةَ ما جاءهم من مبادئ الإيمان به ودواعيه لا محالةَ والفاء للدلالة على تعقيب مجيئِه للاستفتاح به من غير أن يتخلل بينهما مدةٌ منسيةٌ له وقوله تعالى: {كَفَرُواْ بِهِ} جوابُ لمّا الأولى كما هو رأيُ المبرِّد أو جوابُهما معًا كما قاله أبو البقاء وقيل: جوابُ الأولى محذوفٌ لدلالة المذكورِ عليه فيكونُ قولُه تعالى: {وكانوا} الخ جملةً معطوفةً على الشرطية عطفَ القصة على القصة والمرادُ بما عرفوا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، كما هو المراد بما {كانوا يستفتحون به} فالمعنى ولما جاءهم كتابٌ مصدقٌ لكتابهم كذّبوه وكانوا من قبل مجيئِه يستفتحون بمن أُنزل عليه ذلك الكتابُ فلما جاءهم النبيُّ الذي عرَفوه كفروا به {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} اللامُ للعهد أي عليهم، ووضعُ المظهرِ موضِعَ المُضْمَرِ للإيذان بأن حلولَ اللعنةِ بسبب كفرِهم كما أن الفاءَ للإيذان بترتبها عليه، أو للجنس وهم داخلون في الحُكم دخولًا أوليًا إذ الكلامُ فيهم، وأيًا ما كان فهو محقِّقٌ لمضمون قوله تعالى: {بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ}. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كتاب مّنْ عِندِ الله} وهو القرآن وتنكيره للتعظيم ووصفه بما عنده للتشريف والإيذان بأنه جدير بأن يقبل ما فيه ويتبع لأنه من خالقهم وإلههم الناظر في مصالحهم، والجملة عطف على {قَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] أي وكذبوا لما جاءهم الخ {مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} من كتابهم أن نازل حسبما نعت أو مطابق له، و{مصدق} صفة ثانية لكتاب وقدمت الأولى عليها لأن الوصف بكينونته من عنده تعالى آكد ووصفه بالتصديق ناشئ عنها وجعله مصدقًا لكتابهم لا مصدقًا به إشارة إلى أنه بمنزلة الواقع ونفس الأمر لكتابهم لكونه مشتملًا على الإخبار عنه محتاجًا في صدقه إليه؛ وإلى أنه باعجازه مستغن عن تصديق الغير، وفي مصحف أبيّ {مُصَدّقًا} بالنصب، وبه قرأ ابن أبي عبلة، وهو حينئذ حال من الضمير المستقر في الظرف، أو من كتاب لتخصيصه بالوصف المقرب له من المعرفة، واحتمال أن الظرف لغو متعلق بجاء بعيد فلا يضر على أن سيبويه جوّز مجيء الحال من النكرة بلا شرط.
{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين، كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدوّنا فينصرون فالسين للطلب والفتح متضمن معنى النصر بواسطة على أو يفتحون عليهم من قولهم: فتح عليه إذا علمه ووقفه كما في قوله تعالى: {أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} [البقرة: 6 7] أي يعرفون المشركين أن نبيًا يبعث منهم وقد قرب زمانه فالسين زائدة للمبالغة، كأنهم فتحوا بعد طلبه من أنفسهم والشيء بعد الطلب أبلغ وهو من باب التجريد، جرّدوا من أنفسهم أشخاصًا وسألوهم الفتح كقولهم: استعجل كأنه طلب العجلة من نفسه، ويؤول المعنى إلى يا نفس عرّفي المشركين أن نبيًا يبعث منهم، وقيل: {يستفتحون} بمعنى يستخبرون عنه صلى الله عليه وسلم، هل ولد مولود صفته كذا وكذا؟ نقله الراغب وغيره، وما قيل: إنه لا يتعدى بعلى لا يسمع بمجرد التشهي.
{فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له، والاستفتاح به استفتاح به، وإيراد الموصول دون الاكتفاء بالإضمار لبيان كمال مكابرتهم، ويحتمل أن يراد به النبي صلى الله عليه وسلم وما قد يعبر بها عن صفات من يعقل، وبعضهم فسره بالحق إشارة إلى وجه التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بما وهو أن المراد به الحق لا خصوصية ذاته المطهرة وعرفانهم ذلك حصل بدلالة المعجزات والموافقة لما نعت في كتابهم فإنه كالصريح عند الراسخين فلا يرد أن نعت الرسول في التوراة إن كان مذكورًا على التعيين فكيف ينكرونه فإنه مذكور بالتواتر وإلا فلا عرفان للاشتباه على أن الإيراد في غاية السقوط، لأن الآية مساقة على حد قوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 4 1] أي جحدوه مع علمهم به وهذا أبلغ في ذمهم و{كَفَرُواْ} جواب لما الأولى ولما الثانية تكرير لها لطول العهد كما في قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ العذاب} [آل عمران: 188] وإلى ذلك ذهب المبرد، وقال الفراء: لما الثانية مع جوابها جواب الأولى كقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة: 38] الخ، وعلى الوجهين يكون قوله سبحانه: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ} جملة حالية بتقدير قد مقررة، واختار الزجاج والأخفش أن جواب الأولى محذوف أي كذبوا به مثلًا وعليه يكون {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ} الخ مع ما عطف عليه من قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُمُ} من الشرط، والجزاء جملة معطوفة على لما جاءهم بعد تمامها، تدل الأولى على معاملتهم مع الكتاب المصدق، والثانية مع الرسول المستفتح به، وارتضاه بعض المحققين لما في الأولمن لزوم التأكيد والتأسيس أولى منه واستعمال الفاء للتراخي الرتبي فإن مرتبة المؤكد بعد مرتبة المؤكد، ولما في الثاني من دخول الفاء في جواب لما مع أنه ماض وهو قليل جدًا حتى لم يجوزه البصريون ولو جوز وقوعها زائدة فلما لا تجاب بمثلها لا يقال لما جاء زيد، لما قعد عمرو أكرمتك بل هو كما ترى تركيب معقود في لسانهم مع خلو الوجهين عن فائدة عظيمة وهو بيان سوء معاملتهم مع الرسول واستلزامهما جعل وكانوا حالًا، واختار أبو البقاء إن كفروا جواب لما الأولى، والثانية ولا حذف لأن مقتضاهما واحد وليس بشيء كجعل {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين}.
جوابًا للأولى وما بينهما اعتراض واللام في الكافرين للعهد أي عليهم ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه، وجوز كونها للجنس ويدخلون فيه دخولًا أوليًا، واعترض بأن دلالة العام متساوية فليس فيها شيء أول ولا أسبق من شيء، والجواب أن المراد دخولًا قصديًا لأن الكلام سيق بالأصالة فيهم ويكون ذلك من الكناية الإيمائية ويصار إليها إذا كان الموصوف مبالغًا في ذلك الوصف ومنهمكًا فيه حتى إذا ذكر خطر ذلك الوصف بالبال كقولهم لمن يقتني رذيلة ويصر عليها أنا إذا نظرتك خطر ببالي سبابك وسباب كل من هو من أبناء جنسك فاليهود لما بالغوا في الكفر والعناد وكتمان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونعى الله تعالى عليهم ذلك صار الكفر كأنه صفة غير مفارقة لذكرهم وكان هذا الكلام لازمًا لذكرهم ورديفه وأنهم أولى الناس دخولًا فيه لكونهم تسببوا استجلاب هذا القول في غيرهم وجعل السكاكي من هذا القبيل قوله:
إذا الله لم يسق إلا الكراما ** فيسقي وجوه بني حنبل

فإنه في إفادة كرم بني حنبل كما ترى لا خفاء فيه. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}.
معطوف على قوله: {وقالوا قلوبنا غلف} [البقرة: 88] لقصد الزيادة في الإنحاء عليهم بالتوبيخ فإنهم لو أعرضوا عن الدعوة المحمدية إعراضًا مجردًا عن الأدلة لكان في إعراضهم معذرة ما ولكنهم أعرضوا وكفروا بالكتاب الذي جاء مصدقًا لما معهم والذي كانوا من قبل يستفتحون به على المشركين.
فقوله: {من عند الله} متعلق بجاءهم وليس صفة لأنه ليس أمرًا مشاهدًا معلومًا حتى يوصف به.
وقوله: {مصدق لما معهم} وصف شأن لقصد زيادة التسجيل عليهم بالمذمة في هذا الكفر والقول في تفسيره قد مضى عند قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم} [البقرة: 41].
والاستفتاح ظاهره طلب الفتح أي النصر قال تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] وقد فسروه بأن اليهود كانوا إذا قاتلوا المشركين أي من أهل المدينة استنصروا عليهم بسؤال الله أن يبعث إليهم الرسول الموعود به في التوراة.
وجوز أن يكون {يستفتحون} بمعنى يفتحون أي يعلمون ويخبرون كما يقال فتح على القارئ أي علمه الآية التي ينساها فالسين والتاء لمجرد التأكيد مثل زيادتهما في استعصم واستصرخ واستعجب والمراد كانوا يخبرون المشركين بأن رسولًا سيبعث فيؤيد المؤمنين ويعاقب المشركين.
وقوله: {فلما جاءهم ما عرفوا} أي ما كانوا يستفتحون به أي لما جاء الكتاب الذي عرفوه كفروا به وقد عدل عن أن يقال فلما جاءهم الكتاب ليكون اللفظ أشمل فيشمل الكتاب والرسول الذي جاء به فإنه لا يجيء كتاب إلا مع رسول.
ووقع التعبير بما الموصولة دون مَن لأجل هذا الشمول ولأن الإبهام يناسبه الموصول الذي هو أعم فإن الحق أن ما تجيء لما هو أعم من العاقل.
والمراد بما عرفوا القرآن أي أنهم عرفوه بالصفة المتحققة في الخارج وإن جهلوا انطباقها على القرآن لضلالهم لأن الظاهر أن بني إسرائيل لم يكن أكثرهم يعتقد صدق القرآن وصدق الرسول وبعضهم كان يعتقد ذلك ولكنه يتناسى ويتغافل حسدًا قال تعالى: {حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} [البقرة: 109] ويصير معنى الآية: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم} وعرفوا أنه الذي كانوا يستفتحون به على المشركين.
وجملة: {وكانوا من قبل يستفتحون} في موضع الحال وفائدتها هنا استحضار حالتهم العجيبة وهي أنهم كذبوا بالكتاب والرسول في حال ترقبهم لمجيئه وانتظار النصر به وهذا منتهى الخذلان والبهتان.
وقوله: {فلما جاءهم ما عرفوا} بالفاء عطف على جملة {كانوا يستفتحون}.
ولما الثانية تتنازع مع لما الأولى الجواب وهو قوله: {كفروا به} فكان موقع جملة {وكانوا} إلخ بالنسبة إلى كون الكتاب مصدقًا موقع الحال لأن الاستنصار به أو التبشير به يناسب اعتقاد كونه {مصدقًا لما معهم} وموقعها بالنسبة إلى كون الكتاب والرسول معروفين لهم بالأمارات والدلائل موقع المنشإ من المتفرع عنه مع أن مفاد جملة {لما جاءهم كتاب من عند الله} إلخ وجملة {لما جاءهم ما عرفوا} إلخ واحد وإعادة لما في الجملة الثانية دون أن يقول: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فجاءهم ما عرفوا إلخ قصد إظهار اتحاد مفاد الجملتين المفتتحتين بلما وزيادة الربط بين المعنيين حيث انفصل بالجملة الحالية فحصل بذلك نظم عجيب وإيجاز بديع، وطريقة تكرير العامل مع كون المعمول واحدًا طريقة عربية فصحى، قال تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} [آل عمران: 188] وقال: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا أنكم مخرجون} [المؤمنون: 35] فأعاد {أنكم} قبل خبر الأولى وقد عدلنا في هذا البيان عن طريقة الزجاج وطريقة المبرد وطريقة الفراء المذكورات في {حاشية الخفاجي وعبد الحكيم} وصغناه من محاسن تلك الطرائق كلها لما في كل طريقة منها من مخالفة للظاهر.
وقوله: {فلعنة الله على الكافرين} جملة دعاء عليهم وعلى أمثالهم والدعاء من الله تعالى تقدير وقضاء لأنه تعالى لا يعجزه شيء وليس غيره مطلوبًا بالأدعية وهذا كقوله: {وقالت اليهود الله مغلولة غلت أيديهم} [المائدة: 64] وقوله: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] وسيأتي بيانه عند قوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} في [سورة براءة 98].
والفاء للسببية والمراد التسبب الذكري بمعنى أن ما قبلها وهو المعطوف عليه يسبب أن ينطق المتكلم بما بعدها كقول قيس بن الخطيم:
وكنت امرءًا لا أسمع الدهر سبة ** أسب بها إلا كشفت غطاءها

فإني في الحرب الضروس موكل ** بإقدام نفس ما أريد بقاءها

فعطف قوله: فإني على قوله كشفت غطاءها لأن هذا الحكم يوجب بيان أنه في الحرب مقدام.
واللام في {الكافرين} للاستغراق بقرينة مقام الدعاء يشمل المتحدث عنهم لأنهم من جملة أفراد هذا العموم بل هم أول أفراده سبقًا للذهن لأن سبب ورود العام قطعي الدخول ابتداء في العموم.
وهذه طريقة عربية فصيحة في إسناد الحكم إلى العموم والمراد ابتداءً بعض أفراده لأن دخول المراد حينئذ يكون بطريقة برهانية كما تدخل النتيجة في القياس قال بَشَامَةُ بن حَزن النهشلي:
إنَّا محيوك يا سَلْمى فحيينا ** وإن سَقَيْتتِ كرام الناس فاسقِينا

أراد الكناية عن كرمهم بأنهم يُسقون حين يُسقى كرام الناس. اهـ.